القائمة الرئيسية

الصفحات

قراءة نقدية لقانون التربية البدنية والرياضة رقم 30.09

 قراءة أولية لقانون التربية البدنية والرياضة 30.09 :


قراءة نقدية لقانون التربية البدنية والرياضة رقم 30.09
قراءة نقدية لقانون التربية البدنية والرياضة رقم 30.09.


لقد صدر قانون التربية البدنية والرياضة رقم 30.09 بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.10.150 الصادر بتاريخ  13 رمضان 1431 (24 غشت 2010) ، وباعتبار أن القانون المغربي من مصادره القانون الفرنسي إلى جانب مصادر أخرى ، فقد نهج المشرع المغربي نفس التوجه في هذا المجال ، وخاصة القانون الفرنسي رقم 84-610 المؤرخ في 16 يوليو 1984 المتعلق بتنظيم وتشجيع الأنشطة البدنية والرياضية،المعدل بعدة نصوص منها القانون 98-657 المؤرخ في 29 يوليو 1998،إلى حين تدوينه في مجلة الرياضة منذ تحديثها إلى أخر نسخة سارية بتاريخ 31 مارس 2023 .

ورغم أن هذا القانون مازال ساريا يتضمن 118 مادة وديباجة وباب تمهيدي وثمانية أبواب رئيسية ، فقد تم استكماله أيضا بعدة نصوص تنظيمية أخرى متفرقة ، سواء أدرجت في القانون الوضعي أم لا ، ومن أهمها وعلى وجه الخصوص القانون 09-09 المتعلق بمكافحة العنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها ، وكذلك القانون رقم 97.12 المتعلق بمكافحة تعاطي المنشطات في مجال الرياضة .

 وعليه يمكن إجمال مجموعة من الانتقادات لقانون التربية البدنية والرياضة رقم 30.09 ، وهو ما سنوضحها من خلال الفقرات الموالية المومأ إليها أسفله .


الانتقادات الاجمالية لقانون التربية البدنية والرياضة رقم 30.09 :


الملاحظة الأولى:


وتتعلق بنطاق تطبيقه المحدود حيث لا يغطي جميع الأنشطة الرياضية، بل يطبق فقط على الأنشطة الرياضية التي تنظمها الجامعات الرياضية أو الأندية أو الاتحادات الرياضية ، وبالتالي يستبعد العديد من الأنشطة الرياضية غير الرسمية والعفوية، فضلا عن مبادرات المجتمع المدني في المجال الرياضي ،ولذلك كان من الضروري توسيع نطاق تطبيقه ليشمل جميع الأنشطة رسمية كانت أم غير رسمية .


الملاحظة الثانية  :


هو كونه جاء غامضا ومبهما في الجانب التمويلي لقطاع الرياضة ،لذلك كان من الأوفق توضيح آليات تمويل الرياضة سواء كانت عامة أو خاصة ،وذلك لضمان الشفافية والنزاهة في اتخاذ القرار وتوفير كذلك حوافز مالية لتشجيع الشركات على الاستثمار في المجال الرياضي ، لاسيما في المناطق النائية في البلاد.


الملاحظة الثالثة  :


هو افتقاره إلى تدابير لتعزيز تكافؤ الفرص في الرياضة ، لذلك كان من الأولويات مقاربة النوع عن طريق وضع سياسات وبرامج لتشجيع مشاركة النساء والأشخاص ذوي الإعاقة في الرياضة، فضلا على محاربة أي شكل من أشكال التمييز في هذا المجال.


الملاحظة الرابعة :


أنه لم يتطرق لتدابير و آليات لتشجيع الرياضة، وخصوصا أنه لا يراعي وضعية الجمعيات الرياضية ولا يميز بين مكانة وحجم الجمعية ، وبالتالي فإنه يسري على جميع الجمعيات بدون استثناء ، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وهو ما يشكل حيف في حق الجمعيات الصغيرة المبتدئة والتي لا تتوفر على موارد كافية.

لذلك كان من الضروري وضع سياسات وبرامج لدعم هذه الجمعيات وخاصة المبتدئة منها ، وكذلك جميع  الرياضيين ذوي الكفاءة و الأداء العالي لمساعدتهم على تحقيق أهدافهم الكاملة.


الملاحظة الخامسة :


هي أن المشرع المغربي ميز بين الجمعيات الرياضية وحيدة النشاط والجمعيات الرياضية متعددة الأنشطة طبقا للمادة 8 من القانون 30.09 ، وأشار إلى أنه تحدث الجمعية الرياضية عدة فروع يتعلق كل فرع منها بنشاط رياضي واحد. ولا يجوز أن يحدث أي فرع من فروعها في شكل جمعية رياضية مستقلة .

الغريب في الأمر أن المشرع اعترف فقط بالرياضات الأولمبية دون غيرها من الرياضات الأخرى وهو ما يوحي بنوع من التناقض وخاصة بالنسبة للجمعيات الرياضية المتعددة الأنشطة التي تتوفر نشاط رياضي غير أولمبي في حالة تعددها ،هل تتقدم من أجل المصادقة على أنظمتها الأساسية على أساس أنشطة متعددة؟

مع العلم أن المشرع المغربي لا يعترف بها صراحة ، أم أنه يتعين التصريح بنشاط رياضي واحد فقط وبالتالي إنشاء عدة جمعيات متعددة لباقي الأنشطة الرياضية الأخرى ولو كانت داخل نفس القاعة أو النادي  ، وهو ما يخالفه القانون بشكل صريح طبقا للمادة 8 من قانون 30.09 .


الملاحظة السادسة :


هو ما تضمنته المادة 10 من القانون 30.09 والذي تطرق إلى أنه لا يجوز لأي شخص أن يكون ناخبا أو منتخبا في المكتب المديري لجمعية رياضية إذا كانت له صفة رياضي (ة) أو إطار رياضي (ة) في الجمعية المذكورة أو يزاول بها مهام التسيير أو التأطير التقني ، سواء مقابل أجر أو بصفة تطوعية . 

وبناء عليه إذا كان هذا الشرط مقبول بالنسبة للجمعيات والشركات والنوادي الرياضية الكبيرة ، فإنه من الناحية العملية يشكل نوع من التضارب وخاصة بالنسبة للجمعيات الصغيرة والمبتدئة منها ، لأنه في الغالب يكون مؤسس الجمعية هو المدرب الرئيسي لها، ومن غير المعقول أن نفرض عليه نفس الالتزامات والشروط ، مع العلم أن غالبية الجمعيات الرياضية المؤسسة حديثا تكون مبتدئة وليس لها موارد مالية .


الإشكالات الكبرى السائدة في قانون التربية البدنية والرياضة 30.09


وفي هذا الصدد ، فإن الإطار القانوني للظهير الشريف المؤرخ 15 نوفمبر 1958 المتعلق بالجمعيات أصبح متجاوزا من الناحية العملية، خصوصا مع صدور قانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة.

ومع إضفاء الطابع المهني للرياضة ، أصبحت بإمكان الجمعيات الرياضية والتي لها عدة فروع وأنشطة متعددة بعد استيفاءها للشروط المنصوص عليها في المادة 15 و ما يليها من القانون 30.09 ، أن تتحول إلى شركة رياضية وتخضع لأحكام قانون الشركات رقم 17-95 وخاصة فيما يتعلق بالإدارة والتسيير .

وهو في حد ذاته يعتبر إشكال كبير مع غياب إطار محدد للشركات ذات الغرض الرياضي ويطرح مجموعة من المشاكل ومن أهمها:


  • عدم وجود إطار ضريبي ملائم للتحول وخاصة أن المشرع لم يتطرق للشق الضريبي المتعلق بالشركات الرياضية ( كالضريبة على الدخل والضرائب الأخرى )
  • عدم وجود إطار محاسبي يحدد المعالجات المحاسبية الخاصة بالأندية الرياضية (كالتعامل مع حقوق انتقال اللاعبين في كرة القدم مثلا وغيرها).
  • العوائق القانونية المتعلقة بالشركة المراد إنشاؤها وشرعيتها وخاصة أن المشرع ألزم تحويل أو تفويض تسيير الجمعيات الرياضية إلى شركات رياضية وبالتالي خضوعها لأحكام القانون 17-95  المتعلق بشركة المساهمة طبقا للمادة 15 وما يليها من القانون 30.09 .


وعليه ، فإن الجانب الرياضي يقع في إطار القانون التجاري والضريبي ،مما يخلق بشكل رئيسي  اشكالية التداخل بين الخصوصية الرياضية والقانون الوضعي الداخلي ، وكذلك المراسيم التنفيذية والقوانين الموحدة واللوائح الرياضية الفيدرالية ، التي تخلق عدم تجانس كامل للنصوص السائدة .

لذلك كان من الأوفق على التشريع المغربي عند انشاء شركات رياضية محترفة، أن يراعي في ذلك الخصوصية الرياضية ، على اعتبار أن قواعد القانون التجاري هي المعمول بها في هذا المجال وخاصة قانون 17-95 المتعلق بشركات المساهمة   .

كما أنه من الناحية العملية ، يمكن أن تترتب عدة منازعات بشأن العقود الرياضية ، المبرمة من جهة بين جمعية أو شركة أو جامعة رياضية ومن جهة أخرى بين الرياضيين والأطر الرياضية وغيرها، مما جعل المشرع المغربي يستلزم وجوب إبرام عقود رياضية وفق العقود النموذجية التي تحددها الإدارة وذلك للرجوع اليها عند وقوع أي منازعة أو خلاف محتمل .

ومع ذلك ، فإن الاشكال يطرح أكثر في التناقض والانقسام بين القانون المتعلق بالرياضة والتربية البدنية وقانون الشغل المغربي في الشق التعاقدي، وخاصة إذا تعلق الأمر بالعقود الرياضية الاحترافية ، فيطرح التساؤل التالي :هل يجب أن نطبق قانون الشغل؟

وبالتالي نسقط في الطبيعة الموسمية لهذا العقد ، باعتباره عقد محدد المدة والتي غالبا ما تكون مدته سنة ، ويمكن تجديدها مرة واحدة أم أنه يمكن الاستعانة بلوائح العقود الدولية في هذا المجال ؟

إنه اشكال عميق وخاصة عند عرض النزاع أمام القضاء ،وبالتالي يحدث تنازع في الاختصاص بين قانون الشغل والقانون الرياضي  للفصل في النازلة هل ينظر إليه من جانب قانون الشغل، أم ينظر إليه من الجانب الرياضي ، ويزداد التعقيد أكثر عند وجود في العلاقة التعاقدية طرف أخر أجنبي ، فنتساءل بذلك هل يمكننا اللجوء في هذه الوضعية  إلى القانون الدولي الخاص ، أم نقتصر فقط على الخصوصية الرياضية ؟

إنها فعلا إشكاليات كبرى تنتظر الإجابة عليها في ضوء القانون الرياضي المغربي وعلى وجه الخصوص قانون التربية البدنية والرياضة .


وجهة نظر شخصية في القانون الرياضي  30.09 " العقد الرياضي نمودجا "


في إطار احترام الخصوصية الرياضية والقانون الرياضي ، كان من الأوفق على المشرع المغربي أن يعمل على مراجعة العقد الرياضي الاحترافي والنص عليه بكل خصوصياته وذلك بتحديد الحقوق والواجبات ،المكافآت والرواتب،التكوينات ،الانتقالات، نظام التقاعد الرياضي الاحترافي، التأمين الرياضي الاحترافي وغيرها ، والعمل أيضا على مراجعة شاملة لقانون الشغل الحالي في هذا الاتجاه مراعيا في ذلك الخصوصية الرياضية ، وذلك من أجل حماية مصالح الأطراف بشكل أفضل وتحديد حقوقهم وواجباتهم بشكل أكثر دقة ووضوح.

وأمام كثرة الإشكالات المطروحة في هذا المجال ، فإنه يمكن للأطراف المتنازعة الاستعانة بالتحكيم الرياضي من أجل إيجاد حلول أنية وسريعة ،وخير مثال على ذلك غرفة التحكيم الرياضي المتواجدة بالمغرب، وهي غرفة تابعة للجنة الوطنية الأولمبية المغربية، تتخذ قراراتها باستقلالية وحياد ، يمكن الرجوع إليها مادام النزاع ذو طبيعة رياضية مع وجود شرط تحكيم أو اتفاق تحكيم يمنحها هذا الاختصاص.

إضافة الى الأدوار المهمة التي ما فتئت تقوم بها كل من محكمة التحكيم الرياضي الإفريقية،المجلس الدولي للتحكيم الرياضي،الهيئة الدولية العليا للتحكيم والسلطات العليا في البلاد المسؤولة على قطاع الرياضة.


وفي الختام ، يجب الإشارة إلى أنه لمواجهات التحديات الكبرى التي يعرفها قطاع الرياضة بالمغرب ، كان من الضروري جمع شتات النصوص والقواعد الرياضة ضمن مدونة خاصة بالرياضة، وذلك تلافيا لأي غموض قد يطرح ، وذلك من خلال تكييف النصوص القانونية بطريقة منهجية مع سياق الرياضة في المغرب ، سواء تعلق الأمر بالهواة أم المحترفين.

لذلك كان من الأوفق على المشرع المغربي ، أن يعمل على مراجعة شاملة لقانون التربية البدنية والرياضة 30-09 ، وذلك استجابة للتحديات الحالية التي تواجه قطاع الرياضة وخاصة ونحن مقبلين على تنظيم كأس العالم في أفق سنة 2030 بشراكة مع كل من البرتغال وإسبانيا .

تعليقات