المقاربة التشريعية للحق في الصورة بين المفهوم والحماية :
يشكل استغلال صورة الرياضيين في المغرب قضية قانونية واقتصادية بالغة الأهمية، خاصة في ظل التطور المتسارع لصناعة الرياضة والتسويق الرياضي. فصورة الرياضي، بوصفها رمزًا للقوة والشباب والنجاح، سواء كانت صورة شخصية أو صورة أثناء أدائه الرياضي، تمثل قيمة تجارية كبيرة للأندية والشركات الراعية.
استغلال صورة الرياضيين في القانون الرياضي بالمغرب : دراسة تحليلية. |
في المغرب، تخضع هذه المسألة إلى أحكام قانونية محددة، خاصة في ظل القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، وذلك بعد أن أصبحت هذه الصورة سلعة ثمينة يتم التنافس عليها من قبل العديد من الشركات والمؤسسات. وفي هذا الإطار، يطرح القانون الرياضي المغربي مجموعة من الإشكاليات المتعلقة بحماية حقوق الرياضيين في استغلال صورهم، وتحديد حدود استغلال هذه الصور من قبل الغير.
لذلك، سوف أتطرق في هذا الموضوع إلى تعريف صورة الرياضي واستغلالها، ومفهوم الحق في الصورة وحمايتها القانونية ، و تحديد أشكال استغلال صور الرياضيين، مع التذكير بشكل مقتضب إلى الإطار القانوني المنظم لاستغلال صور الرياضيين و تحديد أركان هذه الجرائم، وفي الأخير نشير إلى أهم الأحكام القانونية الناظمة لهذا الموضوع، ومختلف الإشكاليات والتحديات والقضايا المرتبطة باستغلال صورة الرياضيين، التي تتطلب أجوبة واضحة وكافية حول هذه الظاهرة المستحدثة في عالم الرياضة .
تعريف صورة الرياضي واستغلالها:
يمكن تعريف صورة الرياضي على أنها مجموعة من الصفات والسمات التي تميز الرياضي عن غيره، بمعناها الواسع ، حيث تشمل اسمه، صورته، صوته، إنجازاته الرياضية، وحتى أسلوبه الرياضي. أما استغلال صورة الرياضي فيعني استخدام هذه الصورة دون الحصول على موافقته، وذلك بغرض تحقيق مكاسب مادية أو معنوية.
الحق في الصورة: مفهومها وحمايتها القانونية
يمثل الحق في الصورة الشخصية أحد أهم الحقوق الشخصية للمواطن، وهو حق أصيل غير قابل للتجزئة ومكفول بموجب الدستور والقوانين والتشريعات الوطنية والدولية، على اعتبار أن كل شخص له الحق في التحكم في استغلال صورته، سواء كانت ثابتة أو متحركة، بناء على معيار الخصوصية والكرامة الانسانية.
في المغرب، يعزز القانون رقم 30-09 هذا الحق، من خلال النص على أن الرياضي له الحق في الاستفادة من عائدات استغلال صورته، بعد الحصول على موافقته المسبقة والخطية، كما ينص القانون أيضا على ضرورة تحديد شروط هذا الاستغلال في العقد الرياضي الذي يربط الرياضي بالجمعية الرياضية أو الشركة الرياضة.
مختلف أشكال استغلال صورة الرياضيين:
يمكن تقسيم أشكال استغلال صورة الرياضيين إلى نوعين رئيسيين:
- الاستغلال التجاري: يتمثل في استخدام صورة الرياضي في أغراض تجارية، مثل الإعلانات التجارية، والتسويق للمنتجات والخدمات، ورعاية الأحداث الرياضية.
- الاستغلال الإعلامي: يتمثل في نشر صورة الرياضي في وسائل الإعلام المختلفة، مثل الصحف والمجلات والتلفزيون، بهدف تغطية الأحداث الرياضية أو نشر أخبار عن الرياضي.
الإطار القانوني لاستغلال صورة الرياضيين:
لا يزال الإطار القانوني المغربي المنظم لاستغلال صورة الرياضيين قيد التطور، لكن رغم ذلك نجد بعض النصوص القانونية التي تتطرق إلى هذا الموضوع، إلا أنها تبقى غير كافية لتغطية جميع الجوانب المتعلقة به. ومع ذلك، يمكن الاستناد إلى مجموعة من النصوص القانونية ذات الصلة، من بينها:
الدستور: يكفل الدستور المغربي الحق في حماية الحياة الخاصة للأفراد ، والذي يشمل حماية صورتهم الشخصية من أي استغلال، هذا الحق ينبع من المادة 22 من الدستور المغربي التي تكفل حرية الفرد وكرامته.
قانون الحقوق الملكية الفكرية: ينص هذا القانون على حماية الحقوق المادية والمعنوية للمؤلفين، بما في ذلك حق المؤلف في استغلال عمله. ويمكن اعتبار صورة الرياضي عملا فنيا يحظى بحماية هذا القانون.
قانون التربية البدنية والرياضة: ينص هذا القانون على مجموعة من المبادئ العامة التي تحكم الممارسة الرياضية في المغرب، حيث يشكل هذا القانون الإطار العام للرياضة في المغرب، وذلك من خلال المواد 58 و59 و64 من القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة ، حيث نص على بعض المبادئ الأساسية المتعلقة بحقوق بكل من الرياضيين والأطر الرياضية. فالمادة 14 من هذا القانون تنص على أن "يجب تحديد شروط الاستغلال التجاري للصورة الفردية المقترنة بالرياضيين الذي تقوم به الجمعية الرياضية أو الشركة الرياضية التي تشغلهم، في العقد الرياضي المبرم بين الطرفين".
قانون محاربة العنف ضد النساء: وخاصة القانون رقم 13-103 الذي منح المشرع المغربي بموجبه حماية جنائية قوية للصورة الشخصية، سواء كانت صورة امرأة أو رجل، وعاقب على كل من قام عمدا وبأي وسيلة كانت، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته. وذلك من خلال مقتضيات المادتين 447-1 و447-2 من مجموعة القانون الجنائي المغربي.
أركان جريمة استغلال صورة الغير:
تتكون جريمة استغلال صورة الغير إضافة إلى ركنها القانوني، من أركان أساسية هي:
- الركن المادي: وهو عبارة عن القيام بالفعل المادي المتمثل في استغلال صورة الغير دون رضاه، سواء كان ذلك عن طريق النشر أو العرض العام أو الاستخدام التجاري.
- الركن المعنوي: وهو عبارة عن القصد الجنائي، أي علم الجاني بكون الصورة تابعة لشخص آخر وعدم وجود حق له في استغلالها، والرغبة في ارتكاب الفعل.
الأحكام القانونية المتعلقة باستغلال صورة الرياضي:
أهم الحقوق المادية والمعنوية للرياضيين:
يمنح القانون 30.09 للرياضيين حقوقا مادية ومعنوية تتعلق باستغلال صورهم. فمن جهة، يحق للرياضيين الحصول على مقابل مادي مقابل استغلال صورهم في الأنشطة التجارية، كالإعلانات أو المنتجات. ومن جهة أخرى، يتمتع الرياضيون بحقوق معنوية تتمثل في حمايتهم من أي استغلال مسيء أو تشويه لصورتهم.
الاستغلال التجاري للصورة الجماعية للرياضيين:
يرخص القانون للجمعيات الرياضية والشركات الرياضية بالاستغلال التجاري لفائدة أنفسها أو لفائدة مسانديها، للصورة الجماعية لفرقها أو للصورة الجماعية المقترنة بالرياضيين الذين ترتبط معهم بعقد رياضي. هذا يعني أن صورة الفريق بأكمله يمكن استغلالها تجاريا، ولكن بشرط الحصول على موافقة جميع اللاعبين المعنيين، وهو مانصت عليه المادة 58 من القانون رقم 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة، حيث جاءت على الشكل التالي:
"يرخص للجمعيات الرياضية والشركات الرياضية بالاستغلال التجاري لفائدتها أو لفائدة مسانديها ، للصورة الجماعية لفرقها أو للصورة الجماعية المقترنة للرياضيين الذين ترتبط معهم الجمعيات أو الشركات المذكورة بعقد رياضي.
يجب على الجمعية الرياضية أو الشركة الرياضية أن تدفع جزءا من مداخيل الاستغلال التجاري للصورة الجماعية للفريق أو للصورة الجماعية المقترنة إلى كل رياضي (ة) أو إطار رياضي (ة) معني".
الاستغلال التجاري للصورة الفردية للرياضيين:
تكرس المادة 59 من القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة المغربي إلى مبدأ أساسي، ألا وهو حق الرياضي في استغلال صورته كأصل مادي له. هذا الحق يمنح الرياضي حرية التصرف في صورته بحرية في إطار عقد رياضي وفق المادة 14 من هذا القانون، سواء من خلال استغلالها بصفة مباشرة أو من خلال التفويض به إلى الغير، لكن المشرع حظر تفويت هذا الحق لمنافسين مساندي الجمعية الرياضية أو الشركة الرياضية التي يشغلون.
هذا الحظر يهدف إلى حماية مصالح هذه الهيئات، وضمان عدم استغلال الصورة بطريقة تضر بسمعتها. حيث جاءت المادة 59 السالفة الذكر كما يلي:
"يجب أن تحدد شروط الاستغلال التجاري للصورة الفردية المقترنة للرياضيين الذي تقوم به الجمعية الرياضية أو الشركة الرياضية التي تشغلهم ، في العقد الرياضي المبرم بين الطرفين المنصوص عليه في المادة 14 من هذا القانون.
غير أنه ، يجب على الرياضيين ألا يقوموا بأي حال من الأحوال بتفويت حقهم في الاستغلال التجاري لصورتهم الفردية إلى منافسي مساندي الجمعية الرياضية أو الشركة الرياضية التي تشغلهم".
الاستغلال التجاري للصورة الفردية والجماعية للأطر الرياضية:
وهو ما أشارته المادة 64 من القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة المغربي، وأجازت بصفة صريحة باستغلال الصورة الجماعية للأطر الرياضية أو صورتهم الفردية المقترنة، شريطة احترام أحكام المادتين 58 و 59 ، حيث توسعت المادة 64 السالفة الذكر لتشمل الاستغلال الجماعي للصورة، سواء كانت صورة جماعية للأطر الرياضية أو صورة فردية مقترنة.
هذا النوع من الاستغلال يفتح الباب أمام العديد من الاحتمالات، مثل الاستغلال التجاري لصور الفرق الرياضية أو الحملات الإعلانية التي تجمع عدداً من الرياضيين وغيرها.
الحق في الاعتراض:
يمنح القانون للرياضيين الحق في الاعتراض على أي استغلال لصورهم يعتبرونه مسيئا أو مخالفا للقانون أو للعقود المبرمة بين الجهات المستفيدة من هذا الحق. وبالتالي، يمكن لهؤلاء الرياضيين اللجوء إلى القضاء للدفاع عن حقوقهم في حالة عدم التوصل إلى حل ودي.
حقوق الرياضيين في استغلال صورهم:
للرياضيين مجموعة من الحقوق في استغلال صور الرياضيين، من بينها:
- حق التمثيل: يتمثل هذا الحق في حق الرياضي في اختيار من يمثله في المفاوضات بشأن استغلال صورته.
- حق الموافقة: يتمثل هذا الحق في حق الرياضي في الموافقة على أي استخدام لصورته.
- حق في الحصول على مقابل مادي: يحق للرياضي الحصول على مقابل مادي عادل عن الاستغلال التجاري لصورته، كما له الحق في المشاركة في الأرباح التي تحققها الشركات من استغلال صورته.
حدود استغلال صورة الرياضيين من قبل الغير:
يحدد القانون مجموعة من القيود على استغلال صورة الرياضيين من قبل الغير، من بينها:
- الحصول على الموافقة المسبقة: يجب على أي شخص يرغب في استغلال صورة رياضي الحصول على موافقته المسبقة والخطية.
- الدفع مقابل الاستغلال: يجب على من يستغل صورة رياضي دفع مقابل مادي لهذا الاستغلال، وذلك كما تم الاتفاق عليه في إطار العقد الرياضي.
- حماية الخصوصية: يجب على من يستغل صورة رياضي احترام خصوصيته وعدم نشر أي معلومات شخصية عنه دون موافقته.
تعتبر حماية صورة الرياضي في المغرب مسألة بالغة الأهمية، حيث تسعى التشريعات الوطنية إلى تحقيق التوازن بين حماية حقوق شخصية الرياضي وحقوق الآخرين في حرية التعبير والاستخدام التجاري. ومع ذلك، تواجه هذه الحماية العديد من التحديات التي تتطلب تطوير الإطار القانوني والقضائي، وتوعية الرياضيين بحقوقهم، وتعزيز دور المؤسسات الرياضية في حماية مصالحهم.
الإشكاليات المرتبطة بالاستغلال التجاري لصورة الرياضي:
على الرغم من وجود إطار قانوني ينظم عملية الاستغلال التجاري لصورة الرياضي في المغرب، إلا أن هناك بعض الإشكاليات التي تواجه هذا المجال، من أهمها:
- ندرة النصوص القانونية المنظمة: يعاني القانون المغربي من قلة النصوص القانونية المنظمة لهذا الموضوع، والتي تحدد بشكل دقيق حقوق الرياضيين في استغلال صورهم.
- صعوبة تحديد قيمة الصورة: يصعب تحديد القيمة المادية لصورة الرياضي، مما يؤدي إلى نزاعات بين الرياضيين والشركات التي تستغل صورهم.
- الاستغلال غير المشروع لحقوق الرياضيين: قد يتعرض بعض الرياضيين للاستغلال غير المشروع لصورهم، خاصة الرياضيون الهواة والشباب وذلك من طرف بعض الشركات أو وسائل الإعلام.
- غياب الوعي القانوني: يفتقر الكثير من الرياضيين إلى الوعي القانوني بحقوقهم في مجال الاستغلال التجاري لصورهم، مما يجعلهم عرضة لضياع حقوقهم.
التحديات والقضايا المرتبطة باستغلال صورة الرياضيين:
- يطرح تعريف مفهوم "الصورة" العديد من التساؤلات، هل يشمل فقط الصورة الفوتوغرافية، أم يشمل أيضا الفيديوهات والتسجيلات الصوتية؟ وما هي الحدود بين الاستغلال المشروع وغير المشروع للصورة؟
- يواجه القانون صعوبة في تحقيق التوازن بين الحقوق التجارية للجهة المستغلة، وحقوق الشخصية للرياضي. فمن جهة، تسعى الجهات المستغلة إلى تحقيق أقصى استفادة تجارية من صورة الرياضي، ومن جهة أخرى، يسعى الرياضي إلى حماية سمعته وخصوصيته.
- يثير استغلال صورة الرياضيين الأحداث قضايا خاصة تتعلق بحماية حقوق الطفل، فالأطفال الرياضيون يحتاجون إلى حماية خاصة من الاستغلال التجاري، وتجنب أي تأثير سلبي على نموهم وتطورهم.
- تطور وسائل التكنولوجيا الرقمية بشكل كبير في الآونة الأخيرة، مما سهل عملية نسخ وتوزيع الصور، وجعل حماية حقوق الملكية الفكرية أكثر صعوبة.
آفاق تطوير التشريعات الوطنية لحماية الصورة:
لتجاوز هذه التحديات، يمكن اقتراح بعض التعديلات على التشريع المغربي، من بينها:
- تحديث التشريع: يتعين على المشرع المغربي مواكبة التطورات التي يشهدها قطاع الرياضة، وتحديث التشريعات القائمة لتتناسب مع الواقع الجديد.
- تحديد مفهوم الصورة: يجب على المشرع أن يقدم تعريفا واضحا لمفهوم الصورة، يشمل جميع أشكال التعبير المرئي.
- تحديد آليات الحماية: يجب وضع آليات واضحة لحماية حقوق الرياضيين، وتحديد المسؤوليات في حالة حدوث أي انتهاك لهذه الحقوق.
- تعزيز الثقافة القانونية: يجب العمل على نشر الثقافة القانونية في الوسط الرياضي، وتوعية الرياضيين بحقوقهم وواجباتهم.
يشكل الاستغلال التجاري لصورة الرياضيين قضية معقدة، تتطلب مقاربة شاملة تأخذ بعين الاعتبار المصالح المتعددة المعنية. في المغرب، يوفر قانون التربية البدنية والرياضة إطارًا قانونيا لحماية حقوق الرياضيين، لكن هذا الإطار يحتاج إلى تطوير وتحديث لمواكبة التطورات التي يشهدها هذا المجال.
خاتمة:
يشكل استغلال صورة الرياضيين في المغرب قضية معقدة تتطلب تضافر جهود مختلف الأطراف لحلها. يجب على المشرع المغربي مواكبة التطورات التكنولوجية وتحديث التشريعات المتعلقة بحماية الحق في الصورة في مجال الرياضة، وعلى الرياضيين أن يكونوا واعين بحقوقهم وأن يتخذوا الاحتياطات اللازمة لحمايتها، وعلى الجهات المستغلة أن تحترم حقوق الرياضيين وتلتزم بالقوانين والأنظمة المعمول بها في هذا الشأن.