القائمة الرئيسية

الصفحات

 المسؤولية المدنية في مجال ممارسة الأنشطة الرياضية:


تُعد الرياضة ظاهرة اجتماعية وثقافية عالمية تُمارس على نطاق واسع، وتتخللها العديد من الأنشطة التي قد تُعرض المشاركين فيها لمخاطر الإصابة أو الضرر، سواء كانوا لاعبين أو مدربين أو جمهورا أو منظمين. 

لذلك، نشأت الحاجة إلى تحديد المسؤوليات المدنية المترتبة على هذه الأنشطة، وتنظيمها وفقا لقواعد قانونية تضمن حقوق جميع الأطراف.


المسؤولية المدنية في الوسط الرياضي
 المسؤولية المدنية في الوسط الرياضي.

في هذا المقال سنتناول بالتحليل مفهوم المسؤولية المدنية وأركانها ومختلف أقسامها في القطاع الرياضي، ونحدد أطرافها وطرق إثباتها، فضلا عن ذلك نوضح أنواعها وأسس قيامها، ثم في الأخير نشير لبعض التطبيقات في هذا المجال.


مفهوم المسؤولية المدنية في الوسط الرياضي:


تُعرف المسؤولية المدنية في الوسط الرياضي بأنها التزام الشخص بتعويض الضرر الذي لحق بغيره بسبب خطئه الشخصي أو تقصيره في أداء واجباته، وتُقسم هذه المسؤولية إلى نوعين رئيسيين:


أولا : المسؤولية العقدية

تُنشأ هذه المسؤولية عن طريق إبرام عقد بين طرفين، مثل عقد بين لاعب وناد رياضي، أو عقد بين منظمي مسابقة رياضية، ويُلزم هذا العقد كل طرف بأداء التزامات محددة، وعند إخلال أي طرف بالتزاماته، تتحقق مسؤوليته العقدية تجاه الطرف الآخر.


ثانيا : المسؤولية التقصيرية

تُنشأ هذه المسؤولية عن إتيان فعل ضار دون وجود عقد بين الطرفين، مثل إصابة لاعب آخر أثناء المباراة بسبب خطأ أو تقصير من لاعب آخر، ويُشترط لإثبات المسؤولية التقصيرية وجود ثلاثة أركان: الخطأ، والضرر، والعلاقة السببية بينهما.


المقتضيات القانونية للمسؤولية المدنية في الوسط الرياضي:


تخضع المسؤولية المدنية في الوسط الرياضي لمقتضيات ظهير الالتزامات والعقود المغربي، حيث تم التمييز في هذا الصدد، بين المسؤولية المدنية التقصيرية المنصوص عليها في الفصل 77 والذي جاء فيه :" كل فعل إرتكبه الإنسان عن بينة وإختيار من غير أن يسمح به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر ، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر. وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر.

كما تضمن الفصل 263 من قانون الالتزامات و العقود المغربي الإطار العام  لتحقق المسؤولية العقدية ، حيث نص على أنه : يستحق التعويض إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام، وإما بسبب التأخر في الوفاء به، و ذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين.


أركان قيام المسؤولية المدنية في القانون المغربي:


لتقوم المسؤولية المدنية في المجال الرياضي، يجب توافر الأركان التالية:


  1. وجود ضرر: ويُقصد به أي مساس بمصلحة مشروعة للغير، سواء كانت مصلحة مادية أو معنوية.
  2. وجود خطأ: ويُقصد به سلوك الشخص الذي تسبب في الضرر، سواء كان خطأً جسيما أو خطأً بسيطا.
  3. وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر: ويُقصد بها أن يكون الخطأ هو السبب المباشر للضرر.


أسس قيام المسؤولية المدنية في القانون الرياضي:


تُبنى المسؤولية المدنية في القانون الرياضي على أساسين رئيسيين وهما :


  • مسؤولية العقد: ويُقصد بها مسؤولية الشخص عن الأضرار التي لحقت بالغير نتيجة إخلاله بالتزاماته التعاقدية.
  • مسؤولية العمل الضار: ويُقصد بها مسؤولية الشخص عن الأضرار التي لحقت بالغير نتيجة فعله غير المشروع، سواء كان هذا الفعل خطأً أم جناية.


أنواع التعويضات في مجال المسؤولية المدنية الرياضية:


لقد تطرق المشرع المغربي لأنواع التعويضات في مجال المسؤولية المدنية في الفصل 78 من قانون الإلتزمات والعقود المغربي، والذي جاء فيه : كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه، لا بفعله فقط ولكن بخطئه أيضا، وذلك عندما يثبت أن هذا الخطأ هو السبب المباشر في ذلك الضرر. وكل شرط مخالف لذلك يكون عديم الأثر. لذلك بناء على مقتضيات هذا الفصل سنقسم التعويض إلى قسمين وهما:


  1. التعويض عن الضرر المادي: يشمل تكاليف العلاج والتعويض عن الأضرار المادية التي لحقت بالمال.
  2. التعويض عن الضرر المعنوي: يشمل التعويض عن الأضرار النفسية والألم والمعاناة.


أوجه تطبيق المسؤولية المدنية في القانون الرياضي المغربي:


تُطبق المسؤولية المدنية في المجال الرياضي في مختلف الحالات، منها:


إصابات الرياضيين خلال ممارسة الأنشطة الرياضية: قد تقع مسؤولية إصابة الرياضي على عاتق عدة أشخاص، مثل النادي الرياضي أو المدرب أو زملاء الرياضي.

إصابات المتفرجين خلال الأحداث الرياضية: قد تقع مسؤولية إصابة المتفرج على عاتق منظمي الحدث الرياضي أو مالك الملعب الرياضي.

الأضرار المادية التي تلحق بالممتلكات: قد تقع مسؤولية الأضرار المادية التي تلحق بالممتلكات على عاتق الشخص الذي تسبب في الضرر، سواء كان رياضيا أو متفرجا أو غير ذلك.


أطراف المسؤولية المدنية في الوسط الرياضي:


يمكن أن تقع المسؤولية المدنية في مجال الرياضة على عاتق أحد الأطراف التالية:


أولا : اللاعب

يُعد اللاعب مسؤولا عن الأضرار التي يُلحقها بالغير بسبب خطئه أو تقصيره أو رعونته أثناء اللعب ، سواء كان ذلك أثناء المباراة أو التمرين أو أي نشاط رياضي آخر.


ثانيا : النادي الرياضي

يُعد النادي الرياضي مسؤولا عن الأضرار التي يُلحقها لاعبوه بالغير، وذلك بسبب إهماله في مراقبة لاعبيه  أو في توفير بيئة آمنة لممارسة الرياضة أو اتخاذ إجراءات السلامة اللازمة.


ثالثا : المدرب

يكون المدرب مسؤولا عن الأضرار التي يُلحقها بالغير جراء إهماله في مراقبة اللاعبين أو إعطائهم تعليمات خاطئة.


رابعا : المنظمون

يُعد المنظمون مسؤولين عن الأضرار التي تُلحق بالجمهور أو اللاعبين أو غيرهم بسبب إهمالهم في تنظيم الفعالية الرياضية أو تأمين سلامة المشاركين.


خامسا : الجماهير

يُعد الجمهور مسؤولا عن الأضرار التي يُلحقها بالغير بسبب تصرفاته المُخلة بالنظام أو عدوانه على اللاعبين أو غيرهم.


التطبيقات العملية للمسؤولية المدنية في المجال الرياضي:


مسؤولية اللاعبين: قد يُسأل اللاعبون عن الأضرار التي يُسببونها لبعضهم البعض، أو للجمهور، أو للممتلكات.

مسؤولية الأندية الرياضية: قد تُسأل الأندية الرياضية عن الأضرار التي تُسببها للاعبين، أو للجمهور، أو للممتلكات.

مسؤولية المنظمين للفعاليات الرياضية: قد يُسأل المنظمون للفعاليات الرياضية عن الأضرار التي تُسببها للجمهور، أو للمشاركين، أو للممتلكات.


وسائل إثبات المسؤولية المدنية في المجال الرياضي:


يمكن إثباث المسؤولية المدنية في الوسط الرياضي بعدة وسائل، ومن أهمها :


  • شهادة الشهود: يمكن الاستعانة بشهادة الشهود الذين شاهدوا الحادثة.
  • التقارير الطبية: تُستخدم لتحديد نوعية الإصابة ومدى خطورتها.
  • تقارير الخبرة : تُستخدم لتحديد سبب الحادثة، مثل تقرير فني عن سلامة المرافق الرياضية.


دور التأمين في تغطية المسؤولية المدنية في مجال الرياضة:


يُعد التأمين على المسؤولية المدنية من أهم الوسائل التي يمكن من خلالها حماية الأفراد والجهات المُشاركة في الأنشطة الرياضية من المخاطر المالية المُحتملة، ويُغطي التأمين تكاليف العلاج والتعويضات في حال وقوع إصابات أو أضرار.


عوامل تحد من المسؤولية المدنية في المجال الرياضي:


  1. موافقة الضحية: قد تُسقط موافقة الضحية على تحمل مخاطر النشاط الرياضي مسؤولية الشخص المُسبب للضرر.
  2. الخطأ المشترك: قد تُقلل مسؤولية الشخص المُسبب للضرر في حال وجود خطأ من جانب الضحية.
  3. القوة القاهرة: هي الظروف الخارجة عن إرادة الشخص، والتي تجعل من المستحيل عليه تنفيذ التزاماته.


تحديات إثبات المسؤولية المدنية في مجال الرياضة:


يواجه إثبات المسؤولية المدنية في المجال الرياضة العديد من التحديات، منها:


صعوبة تحديد الخطأ: قد يكون من الصعب تحديد من هو المسؤول عن الضرر، خاصة في الحالات التي يكون فيها أكثر من شخص مُشاركا في اللعبة.

صعوبة إثبات الضرر: قد يكون من الصعب إثبات وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر.

صعوبة تحديد التعويض: قد يكون من الصعب تحديد قيمة التعويض المناسب للضرر الذي لحق بالمجني عليه.


الخلاصة:

تُعد المسؤولية المدنية في الوسط الرياضي موضوعا هاما يُثير العديد من التساؤلات والتحديات، ويجب على جميع الأفراد والجهات المُشاركة في الأنشطة الرياضية أن يكونوا على دراية بمسؤولياتهم القانونية، وأن يتخذوا جميع الاحتياطات اللازمة لتجنب وقوع الحوادث.

لذلك، تلعب قواعد المسؤولية المدنية دورا هاما في ضمان ممارسة الرياضة بشكل آمن، وحماية حقوق جميع الأطراف المشاركة في النشاط الرياضي.

تعليقات